كتبه: ريم ريا
الرياضة النسائية في سوريا وما تمتلكها من إمكانيات لا تقل عن ما يقدمه الرجال في نشاطهم الرياضي، فالكثير من النساء الرياضيات كنّ رائدات في رياضاتهن وحصدن الألقاب وحققن البطولات. ورغم أن الرياضات النسائية في سوريا ذات نجم خفيف ومشوبة بالإهمال والتقصير وغياب شبه تام للدعم، إلا أن بريق الرياضيات السوريات لا يمكن أن يقل وهجه مهما كانت الظروف والعقبات، فقد لمعت العديد من الأسماء الرياضية في سماء الرياضة النسوية في سوريا ورفعن اسم البلاد على أهم منصات التتويج في العالم، فكيف يمكن أن يُعاد إنتاج زخم هؤلاء الرياضيات بطرق أفضل، وبطريقة علمية طالما أنّ الأفق مفتوح من جديد؟
رغم كل الإمكانيات إلا أن غياب الدعم وعدم توفير عوامل النهوض، أدى لتراجع هذه الرياضات وتقويضها وتقديمها للكثير من الجهد رغم قلة الاهتمام مع قلة توافر المقومات. لنتعرف معاً على أبرز نساء الرياضة في سوريا وعلى الأسباب التي من شأنها إعادة تأهيل الرياضات النسائية والنهوض بها.
أبرز بطلات الرياضة النسائية في سوريا
عند ذكر “بطلات سوريا” سرعان ما يتبادر للأذهان البطلة العالمية غادة شعاع، لاعبة القوى التي حلّقت باسم سوريا معها للعالمية، ووقفت على أهم منصات التتويج العالمية، وحصدت الذهبية الأولى في تاريخ سوريا.
تلك العداءة الذهبية ولاعبة ألعاب القوى، ونجمة كرة السلّة، تلك العالمية التي ولدت في العام 1972 وحصدت العديد من البطولات كان أبرزها الميدالية الأولمبية في “أتلانتا” في أمريكا في العام 1996. فكانت بذلك أول من قلّد سوريا الذهب في الأولمبياد.
ومن منا لا يعرف السبّاحة “بيان جمعة” خاطفة الذهب أيضاً، تلك السباحة التي تألقت في بطولة الجائزة الكبرى التي أقيمت في التشيك، وتوجت بالذهبية في سباق ال 50 متر سباحة حرة، وكان سبق لها أن أحرزت ميداليتين فضية وبرونزية في دورة التضامن الإسلامي، كما أحرزت فضية في بطولة التشيك إلى جانب إحرازها الذهب.
وسيدرا القيّم لاعبة الجمباز الإيقاعي المميزة مواليد العام 2004، أحرزت العديد من البطولات على مستوى المحافظة (محافظة اللاذقية)، حيث توجت بالميدالية البرونزية بأول مشاركة لها في بطولة الجمهورية للناشئات عام2017 بفئة الفردي والمركز الثاني بالترتيب العام مع منتخب اللاذقية وذهبية بطولة الجمهورية عام 2018 التي جرت في محافظة طرطوس واحتفظت بذهبية الفردي ببطولة الجمهورية التي جرت بطرطوس عام2019، وتطمح للمشاركات الخارجية وإحراز الألقاب.
اقرأ أيضاً: اتحاد القوة البدنية السوري ينظم بطولة الجمهورية للسيدات الخميس القادم
ما تحتاجه الرياضات النسائية للتطور والتقدم
نلاحظ أن الرياضة النسوية احتلت مكانة عالية في المنافسات الحديثة، وأصبحت بارزة ليس بتطور أرقام العديد من الفعاليات، لكن باتساع البرنامج الأولمبي للنساء، فدخلت الكثير من الألعاب إلى حد نتائج سباقات المسافات الطويلة حتى الماراثون، كما شملت رفع الأثقال.
وعلى حد تعبير الباحثة الدكتورة لمياء حسن محمد في بحثها الدائر حول “الرياضة النسائية واقعها وأسباب تدنيها وأساليب الارتقاء بها”، أن بعض النساء حققن نتائج أفضل من العديد من الرجال، حتى ولو كانت حالات فردية، إلّا أن هذا التطور لا يمكن أن نعتبره مجرد صدفة. كما أن دخول المرأة فعاليات التحمل والقوة والاعتماد على مبدأ زيادة الأحمال التدريبية سوف يحقق نتائج أفضل في القادم.
ومن وجهة نظر الدكتورة فاطمة عبد المالح عميد كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة للبنات في جامعة بغداد في مقال لافت لها، ترى أن تطوير الرياضة النسوية ليس مجرد كلمات أو حبر على ورق هو طموح وهدف كبير، لأن المرأة تمثل نصف المجتمع ومتى ما وجدنا مجتمعاً لديه رفاهية واستقرار وتوافق الاجتماعي سنجد رياضة نسوية متطورة.
فهناك العديد من الرياضيات الموهوبات، لكن ليس هناك اكتشاف لهن أو حتى دعم لو بشكل معنوي، حيث أن تطوير الرياضة النسوية يبدأ من المدرسة وحصة الرياضة، فغياب مثل هذه الأسس يهدم تطور الرياضة، فعماد أي نوع من الرياضة يبدأ من المدرسة ,وأما الحلول التي يمكن أن تجعل من المرأة رياضية تأتي عن طريق تهيئة مستلزمات رياضية، دورات تدريبية، منح رياضية نسائية، إلى جانب الاهتمام بالرياضة المدرسية وتشجيع ممارسة المرأة للرياضة.
وبرأي “عبد المالح”، أن أحد أبرز عوامل النهوض، هن خريجات التربية البدنية وعلوم الرياضة، فعليهن كمدربات مواكبة التطورات العلمية والإنجازات الرياضية والتحلي بالشخصية القيادية والتربوية التي تمكنهن من تولى مهام التدريب بكفاءة عالية.
ناهيك عن أن توفير الأمان الاجتماعي والغطاء الاجتماعي من أحد أهم أسباب النهوض بالرياضات النسوية تحديداً في المجتمعات العربية، إلى جانب الضمان الصحي ومراعاة النساء في ذلك ومدى قدرتهن على تحمل ثقل الألعاب الرياضية لاسيما ألعاب القوى والتي تتطلب جهد بدني عالي.
ومراعاة الوضع المعيشي والوظيفي والدراسي للاعبات، فعملهن ودراستهن لا يجب أن تشكل عائقاً لطموحهن وأهدافهن.
لذا تقترح البدء بدعم الرياضة النسوية عبر الدعم المادي، من خلال بناء منشآت خاصة للنساء، إلى جانب تعزيز مشاركتها في الأنشطة الرياضية من خلال زيادة الوعي الرياضي لدى الجميع بأهمية ممارسة المرأة للرياضة، مع رفع المستوى الفني والإداري للنشاط النسائي.
اقرأ أيضاً: سيدات الهلال بطلات الدوري السوري لكرة القدم للسيدات
أين سوريا من عوامل النهوض بالرياضات النسوية، وهل من توصيات تخدم الواقع؟
ومع إحداث وزارة مخصصة للشباب والرياضة في سوريا هل ستستطيع إيجاد حلول ولو إسعافية للواقع النسوي الرياضي؟
إذ لا زالت الرياضات النسائية مغيبة عن دائرة الاهتمام الرسمي والإعلامي، ففي كرة القدم والسلة والطائرة وألعاب القوى، تحضر اللاعبات لكن بشكل خجول وعلى الهامش، وتغيب عنهن البنية التحتية اللازمة، والدعم المالي، والتغطية الإعلامية التي تعتبر من أهم عوامل نهوض الرياضة النسائية.
فعلى كامل أراضي الجمهورية، تواجه الرياضيات السوريات حتى الآن واقع مركب ومربك، بين نظرة اجتماعية تقليدية، وهشاشة في التخطيط الرسمي، مع جهل مزمن من وسائل الإعلام، في حين كانت الجهات المعنية تتفاخر بإنجازات محدودة لفئات الرجال، تبقى مشاركات النساء المحدودة، بلا برامج تأهيل، ولا فرص تطوير، ولا منافسات حقيقية تضمن استمرارية الأداء، رغم ما تقدم الرياضيات النساء من جهد وما يحصدن من بطولات إلا أن هذا لم يكن كافي لتنقشع عنهن غيوم التغييب.
وعكست تصريحات أول مدربة كرة قدم في سوريا مها جنود، الواقع الرياضي النسوي السائد بشكل واضح إذ قالت: “لم يكن هناك دعم كبير، ولا حتى دوري”، وأضافت جنود أنه لم يكن هناك سوى مجموعة صغيرة من اللاعبات المتحمسات للعب كرة القدم، دون تقديم أي دعم مالي أو وضع استراتيجية أو دوري لكرة القدم.
على الرغم إصدار الاتحاد الآسيوي لكرة القدم في عام 2018 قرار يُلزم الاتحادات الوطنية بتأسيس أقسام فنية لكرة القدم النسائية، بقيت الخيارات محدودة داخل سوريا، حيث لم تتوفر الكوادر المؤهلة ولا بنية تنظيمية داعمة، ولم يكن يوجد مدربة سوى جنود تمتلك الخبرة الكافية لتمثيل سوريا.
وبحسب ما صرح به مدير المكتب الإعلامي لوزارة الرياضة والشباب، ناصر الخطيب، أن الوزارة تولي اهتمام بدعم الرياضة النسائية في مختلف الألعاب، وتعمل على توسيع قاعدة الفرق النسائية ضمن الأندية المعتمدة.
كما أوضح أن هناك استراتيجية ستتبعها الوزارة لتسكير الثغرات المتروكة من العهد الرياضي السابق، وفي محاولة من الوزارة للملمة الإشكاليات ومعالجتها وضعت استراتيجية وبنك أهداف قائمين على: التشجيع على تأسيس فرق نسائية في مختلف الألعاب وتقديم التسهيلات والدعم اللوجستي والفني وحتى المالي، مع إطلاق برامج تدريب وتأهيل للكوادر الفنية والإدارية النسائية، ما يضمن بناء منظومة متكاملة من اللاعبات والمدربات والحكام، وتوسيع دعم مشاركة الفرق النسائية في المنافسات العربية والدولية لرفع مستوى الاحتكاك وتطوير الأداء.
وأهم نقاط الاستراتيجية تعزيز الوعي المجتمعي بدور المرأة الرياضية عبر الأنشطة المجتمعية والبرامج الإعلامية وتكثيف تلك التغطية.
وعلى حسب قوله أن هذه الاستراتيجية: “تعبر عن رؤية الوزارة في رسم خطة تضع المرأة في قلب العملية الرياضية، سواء كانت لاعبة أو مدرّبة أو إدارية أو حتى قيادية في المؤسسات الرياضية”.
ومن منظورنا وبحسب ما عرضناه ولمسناه من احتياجات للرياضة النسوية على العموم وسوريا على الخصوص، نلاحظ أن العلّة مشتركة في ضعف تقدير تلك الرياضات، أبرز تلك العلل غياب الاحتضان الاجتماعي للمرأة كرياضية، فيجدر الخروج من قوقعة حصر الرياضة لاسيما الصعبة منها بالرجال ومساواة النساء بهم وعدم حصرها في نظرة مجتمعية بالية تنال من المرأة وتحد من قدراتها.
أمّا العامل الثاني أو العلّة المشتركة الثانية غياب الدعم المالي وتوجيهه لفئات الرجال فقط. وهذه إشارة لعين النقص التي تنظر بها الرياضات النسوية وكأنها لا تتطلب دعم مالي كما الرجال، نظراً لفرق القدرات بين الجنسين، مع التنويه لأن النساء رغم عدم تساويهن مع الرجال بالقدرة البدنية والتفوق الذكوري ببذل الجهد، لكنهن لسن أقلّ من الرجال بالقدرة على التحمل والمثابرة.
ونرى وفق ما تم عرضه واستنتاجه أن إيجاد حلول جذرية للمشكلات التي سبق وطرحناها من شأنه إيجاد واقع أفضل للنساء في الرياضة وخلق مساحة أكبر لإبداعهن والتعبير عن أنفسهن ومتابعة مسيرتهن في حصد الألقاب وخطف النجاحات، على أمل تحقيق ما وعدت به وزارة الشياب والرياضة. تلك الوزارة الحديثة التي تحاول النهوض بالرياضة السورية وإعادتها لمنصات التتويج.
ختاماً، الرياضة النسائية في سوريا والبلدان العربية تحتاج للنهوض في مختلف المجالات، بدءاً من الدعم المعنوي وصولاً للمادي مروراً بتجهيز المنشآت الخاصة ورفد الكادر النسائي بالخبرات النسائية البحتة من مدربات ومشرفات، مع التوازي مع نشر المواد الإعلامية التي تتحدث عن تلك الرياضات وتسلط الضوء على إنجازات نسائها وقدراتهن، تضافر كل تلك العوامل هو ما ينهض بالواقع النسوي الرياضي ويعطيه مكانته وتقديره.
اقرأ أيضاً: خطة جديدة للنهوض بواقع “ألعاب القوى” السورية