الانتخابات البرلمانية السورية 2025: قراءة في المضمون السياسي

مقال رأي – د. مشهور سلامه – الانتخابات البرلمانية السورية 2025: قراءة في المضمون السياسي
الانتخابات التي جرت في الخامس من تشرين الأول 2025 محطة سياسية مهمة في مسار التحول السوري الحديث، ومحاولة جادة لإعادة تفعيل المؤسسات الدستورية الانتخابية وإتاحة الفرصة للتنافس المحلي المحدود يشكلان بحد ذاتهما خطوة نحو بناء بيئة سياسية أكثر تنظيما، يمكن تطويرها لاحقا باتجاه مشاركة أوسع.
من جهة أخرى، فإن تعيين ثلث أعضاء المجلس من قبل الرئيس الانتقالي لا يمكن اعتباره خرقاً صريحاً لمبدأ الفصل بين السلطات في المرحلة الحالية، بقدر ما هو إجراء موقت ضمن ظروف انتقالية معقدة تتطلب الحفاظ على التوازن الوطني والمؤسسي.
ومع ذلك، فإن التطوير المنطقي القادم ينبغي أن يتجه نحو تقليص هذا التعيين تدريجيًا لصالح توسيع قاعدة الانتخاب، بما يعزز مبدأ الشرعية الشعبية ويفتح المجال أمام تمثيل أوسع للمكونات السورية كافة.
أما فيما يتعلق باستقلالية مجلس الشعب، فإنها تبقى مرتبطة بإعادة تعريف العلاقة بين السلطات الثلاث في الدستور القادم. فالإعلان الدستوري الحالي لا يمنحه صلاحيات رقابية حقيقية، ولا يتيح له مساءلة الحكومة أو الرئيس الانتقالي بصورة مباشرة، وهو ما يضعف من دوره كمؤسسة رقابة وتوازن.
غير أن السياق السياسي العام يشير إلى إمكانية منح المجلس صلاحيات أوسع ضمن الدستور الدائم، خاصة في ظل التوجه نحو إصلاح بنية الدولة وترسيخ مبدأ الشفافية والمسؤولية.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية تشكيل لجنة دستورية داخل المجلس تكون قادرة على ترجمة هذه التطلعات إلى نصوص عملية. والراجح أن هذه اللجنة ستتكون من مزيج من أعضاء منتخبين وخبراء قانونيين مستقلين من خارج المجلس، على نحو يضمن توازن الخبرة القانونية مع الشرعية التمثيلية. وينبغي أن تراعي اللجنة، في تشكيلها، التعدد الوطني السوري، بحيث تضم ممثلين عن مختلف المكونات العرقية والدينية والسياسية، في انسجام مع مبادئ المساواة والمواطنة.
أما أولويات العمل التشريعي للمجلس الجديد، فمن المنطقي أن تبدأ بوضع نظام داخلي واضح يحدد آليات العمل والعلاقة مع السلطة التنفيذية، يلي ذلك بحث مسألة تعديل الإعلان الدستوري، قبل الانتقال إلى صياغة الدستور الدائم الذي سيكون حجر الأساس للمرحلة المقبلة. فصياغة الدستور هي ذروة العملية السياسية، ولا بد أن تسبقها مرحلة تأسيسية تنضج فيها البنية المؤسسية والسياسية الكفيلة بإنجاحها.
إن الرسائل السياسية لهذه الانتخابات واضحة في مضمونها: الدولة السورية تسعى إلى تثبيت مؤسساتها الدستورية وتأكيد حضورها السياسي أمام الداخل والخارج، مع الإبقاء على مسار الانفتاح التدريجي المنضبط. غير أن نجاح هذا المسار يبقى رهينا بمدى قدرة المؤسسات الجديدة على ممارسة أدوارها بجدية، وبمدى الثقة التي يمكن أن تبنيها بين الدولة والمجتمع.
إن الرؤية الواقعية تقتضي الإقرار بأن التحول الديمقراطي ليس حدثًا مفاجئًا، بل عملية تراكمية طويلة تحتاج إلى صبر سياسي وإرادة إصلاحية مسؤولة. وما جرى في انتخابات 2025 يمكن اعتباره خطوة أولى في هذا الاتجاه، قابلة للتطوير عبر إصلاحات قانونية ودستورية تدريجية تضمن الانتقال من الشكل الإجرائي إلى المضمون التمثيلي الحقيقي.
ولذلك، فإن التحدي الأكبر أمام الدولة اليوم ليس في إجراء الانتخابات بحد ذاتها، التحدي الفعلي في إدارة ما بعدها: كيفية تفعيل المجلس ليصبح منصة حقيقية للنقاش الوطني، وكيفية تمكين القوى المجتمعية والسياسية لتكون شريكة في صنع القرار. ذلك هو الطريق الأقصر نحو بناء دولة المؤسسات الراسخة التي تجمع بين الاستقرار والمشاركة، وتؤسس لسوريا أكثر عدالة وتوازنا في المستقبل.
اقرأ أيضاً: مياه الأمطار المهدورة.. كيف تضيع ثروة سوريا المائية بين البحر والجبل
————————————————————————————————————
تنويه
يفتح موقع «سوريا اليوم 24» صفحاته لكل من يحمل رأياً ويرغب في التعبير عنه بحرّية ومسؤولية، إيماناً منا بأن الحوار هو السبيل الأمثل لفهم الواقع وصياغة المستقبل. نحن نُجري لقاءاتنا مع ضيوف من مشارب فكرية وسياسية متعددة، نستمع إليهم ونعرض ما لديهم بأمانة وموضوعية، وننقل الآراء المختلفة من مصادر متعددة. ولكن نشرنا لآرائهم لا يعني بالضرورة تبنّيها، بل يأتي في إطار رسالتنا الهادفة إلى ترسيخ ثقافة الحوار وتبادل الرؤى في فضاء من الاحترام والانفتاح.



