الكاتب: أحمد علي
في نيسان الماضي، بدأت ملامح الأمل تلوح في الأفق السوري مع صدور قرار أمريكي وأوروبي بتعليق العقوبات المفروضة على البلاد، مما فتح شهية الأوساط الاقتصادية للحديث عن فرص استثمارية وعودة تدريجية للحياة في القطاعات الإنتاجية والسياحية والخدمية. غير أنّ هذه الآمال لم تلبث أن واجهت عاصفة من الشك والقلق مع اندلاع الحرب الإيرانية «الإسرائيلية»، والتي تُنذر بتحولات كبرى في المنطقة، وتلقي بظلال ثقيلة على مستقبل سوريا الاقتصادي.
في ظل هذه المتغيرات، يتساءل السوريون بقلق: هل يُمكن لبلد أنهكته الحرب والنزوح والدمار، أن يستفيد من تخفيف العقوبات وسط زلزال سياسي – عسكري يهزّ الإقليم؟ أم أن الحرب الجديدة ستجعل من كل نافذة انفراج مجرد سراب؟
الحرب الإيرانية «الإسرائيلية» تخلط أوراق الاستثمار في سوريا
يرى الدكتور علي محمد، الباحث الاقتصادي، أن الحرب الإيرانية – «الإسرائيلية» لن تقتصر آثارها على طرفي الصراع، بل ستنعكس بشكل مباشر على بلدان الجوار، وفي مقدّمتها سوريا ولبنان والعراق والأردن. ويؤكد أنّ البيئة الاستثمارية في سوريا، التي كانت تعاني أساساً من هشاشة شديدة، ستزداد اضطراباً إذا ما طال أمد الحرب أو توسّعت رقعتها.
ويتابع «محمد» أنّ رفع العقوبات الأوروبية وتعليق نظيرتها الأميركية شكّل بارقة أمل للقطاعين العام والخاص في سوريا، إذ كان من المأمول أن يشجّع ذلك على تدفق الاستثمارات الخارجية وعودة رؤوس الأموال السورية المهاجرة. إلا أنّ استمرار التوترات الإقليمية والتهديدات الأمنية من شأنه أن يعيد الأمور إلى نقطة الصفر، مع ما يرافق ذلك من عزوف المستثمرين، وتجميد المشاريع، وحتى هروب رأس المال الوطني.
مضيق هرمز.. شريان مهدد للعالم وسوريا
ويحذر د. محمد من احتمال أن تؤدي الحرب إلى تطورات استراتيجية أكثر خطورة، مثل إغلاق مضيق هرمز من قبل إيران، وهو ما سيؤدي إلى أزمة عالمية في إمدادات النفط والحبوب. ويذكّر بأن أكثر من 40% من صادرات النفط العالمية تمر عبر هذا الممر البحري الحيوي، فضلاً عن كونه طريقاً رئيسياً لعبور الحبوب الأساسية نحو آسيا وأوروبا وشمال أفريقيا.
وفي حال حدوث ذلك، فإن الارتفاع الكبير في أسعار النفط والغاز سيشكل ضربة قاسية للدول المستوردة، وعلى رأسها سوريا، التي تعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد لتغطية احتياجاتها من الطاقة والغذاء. ويُضاف إلى ذلك ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، وتعقيد سلاسل التوريد العالمية.
صيف ساخن في الشرق الأوسط… والسياحة السورية تدفع الثمن
لم تقتصر تداعيات الحرب على الاستثمار فحسب، بل امتدت لتطال قطاع السياحة الذي كان يُعوّل عليه كثيراً لإنعاش الاقتصاد السوري. وقد أُلغيت معظم البرامج السياحية في دول المنطقة هذا الصيف، وسط حالة من القلق العام والانكماش في حركة السفر.
ويشير د. محمد إلى أن موسم الصيف الحالي كان مرشّحاً ليكون بداية انتعاش للسياحة الوافدة إلى سوريا، خاصة بعد تحسن العلاقات مع بعض الدول العربية، إلا أن اندلاع الحرب أوقف كل الخطط، وأدخل القطاع في سبات جديد.
تأثيرات مباشرة تهدّد الأمن الغذائي والطاقة
من جانبه، يوضح الدكتور باسم غدير، أستاذ الاقتصاد في جامعة اللاذقية، أن الحرب الدائرة في المنطقة لها تأثيرات فورية على الاقتصاد السوري، أبرزها من وجهة نظره:
- ارتفاع أسعار المحروقات نتيجة تراجع الإمدادات الإيرانية التي كانت تؤمن جزءاً كبيراً من احتياجات دول الجوار بما فيها سوريا التي لا تحتمل التداعيات السلبية بعد حرب أكثر من 14 عام واقتصاد منهك.
- اهتزاز سلاسل التوريد الغذائية، مع اعتماد البلاد على استيراد القمح، السكر، الأرز والزيوت، ومرور جزء كبير من هذه الشحنات عبر مناطق ملتهبة.
- ضغوط إضافية على الليرة السورية التي تراجعت قيمتها بين 7 و10% منذ اندلاع الحرب.
- تضييق في القنوات المالية نتيجة العقوبات الغربية المتوقعة على إيران، وهو ما ينعكس سلباً على التحويلات والتعاملات المصرفية السورية.
في مهب العاصفة
يشدّد د. غدير على أن الاقتصاد السوري، الذي يعاني من ضعف في الإنتاج المحلي واعتماد شبه كلي على الواردات، سيكون من أول المتأثرين بأي أزمة عالمية في أسعار الغذاء والطاقة. فالتضخم مرشح للتصاعد، ومعه تزداد معاناة المواطن الذي يواجه يومياً ارتفاعاً جديداً في أسعار السلع الأساسية والخدمات.
ويرى أن الأزمة الحالية تُبرز هشاشة النموذج الاقتصادي القائم، وضرورة التسريع في بناء قاعدة إنتاجية حقيقية وتحسين بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات، رغم صعوبة ذلك في ظل ظروف الحرب.
هل من بدائل؟
في ضوء هذه التحديات، ترى الأوساط الحكومية والاقتصادية السورية أن التوجّه نحو إعادة الانفتاح على الغرب، والاستفادة من رفع العقوبات، يمكن أن يفتح آفاقاً جديدة لتجاوز آثار الحرب. إلا أن نجاح هذا المسار يتطلب بيئة سياسية أكثر استقراراً، وتخفيف التوترات الإقليمية، وهو ما يبدو صعباً في المرحلة الراهنة.
ويشير د. غدير إلى أهمية تفعيل الاتفاقات مع دول صديقة، وتوسيع دائرة الشركاء التجاريين، لتأمين بدائل للإمدادات الأساسية وتجاوز نقاط الاختناق في الشحن والخدمات اللوجستية.
ختاماً، لا يمكن للاقتصاد أن يزدهر في غياب الأمن والاستقرار. وكلّما طالت الحرب الإقليمية الحالية، اتسعت دائرة الخطر، وتفاقمت الأعباء على السوريين الذين لطالما دفعوا أثمان الصراعات. فالبيئة الاستثمارية في سوريا لا تزال هشّة، وأيّ اختلال خارجي كفيل بنسف ما تحقق أو ما كان يُؤمّل تحقيقه. ولا يبقى أمام السوريين سوى ترقّب ما تحمله الأيام من متغيرات إقليمية ودولية، على أمل ألّا يكون القادم أسوأ مما مضى.
اقرأ أيضاً: ماذا يعني شطب سوريا من قائمة «الدول المارقة»؟!