استقالات بحجم الخلل: غرفة صناعة حلب تفقد معظم أعضاءها والحكومة ترفض!

لا يزال المشهد الاقتصادي السوري يعيش تخبطاً داخلياً بالرغم من الاتفاقيات الاقتصادية التي تعكس توجهاً نحو الازدهار، فقد شهدت الأوساط الصناعية في مدينة حلب توتراً كبيراً، إذ تقدّم تسعة من أعضاء المكتب التنفيذي في غرفة صناعة حلب باستقالاتهم، في خطوة مفاجئة برّرها الأعضاء بما وصفوه “بالتهميش المتعمّد وعدم الاستجابة لمطالبهم الإدارية والمهنية”.
حملت هذه الاستقالات توقيع رئيس الغرفة عماد طه القاسم ونائبيه محمد كعدان وإسماعيل حج محمد، إضافة إلى شخصيات بارزة مثل أمين السر أحمد مهدي الخضر وخازن الغرفة رامز غجر، إلى جانب الأعضاء محمد زيزان، أنس سرميني، جوزيف طوقتلي، وطلال خصيم، وقد شكلت نصف قوام المكتب التنفيذي تقريباً، مما جعلها حدثاً لا يمكن تجاوزه.
كان الكتاب الجماعي الذي قدمه الأعضاء يوم الأحد صريحاً في تقديم أسبابه، إذ جاء فيه أن الأعضاء “يتقدّمون بطلب قبول الاستقالة من مجلس إدارة غرفة صناعة حلب، بسبب التهميش وعدم الرد على مطالب المجلس”. والجدير بالذكر أن هذه المطالب لم تكن جديدة، بل امتدت على مدى أشهر، وتعلّقت بملفات جوهرية مرتبطة بمستقبل الصناعة في المحافظة التي لطالما وُصفت بأنها عاصمة الاقتصاد السوري.
جاء الرد الحكومي سريعاً بالرفض، إذ كشف مصدر في وزارة الاقتصاد والصناعة أن الوزير نضال الشعار رفض هذه الاستقالات، معتبراً أنها لا تستند إلى مبررات كافية. وبحسب كتاب رسمي وجّهه الوزير إلى غرفة الصناعة أوضح الشعار أن “الظروف الاقتصادية الراهنة تقتضي استمرار عمل الغرفة، حفاظاً على سير العملية الصناعية في محافظة حلب”، مضيفاً أن الوزارة لا ترى مسوغاً لهذه الخطوة، وأن الحل سيكون بالدعوة إلى جلسة عاجلة للحوار والنقاش حول أوضاع المجلس.
مطالب محددة.. وتوضيح من داخل غرفة الصناعة
من داخل غرفة الصناعة، قدّم أحد الأعضاء توضيحاً إضافياً، فقال إن جوهر الخلاف هو في غياب الاستجابة لمطالب الصناعيين الذين يرون أنفسهم شركاء أساسيين في بناء الدولة. وأكد أن المطالب لطالما تركزت على حماية الصناعة الوطنية وتسهيل عمل المصانع لإعادة دوران عجلة الإنتاج، لكنهم لم يجدوا من يصغي لهم. وأضاف: “قوة أي دولة تكمن في قوة اقتصادها، ومن هنا جاءت استقالتنا، فهي ليست من أجل مصالح شخصية، وإنما دفاعاً عن الصناعيين السوريين كافة”.
المطالب التي طرحها الصناعيون شملت ملفات أساسية مثل حماية الصناعات المحلية من المنافسة غير العادلة مع منتجات مستوردة تدخل البلاد برسوم شبه معدومة والتي بدأت تأكل السوق السورية على حساب المنتج المحلي، ومنع استيراد البضائع الرديئة التي تهدد بإغلاق المنشآت الوطنية، بالإضافة إلى إلغاء الرسوم الجمركية على المواد الأولية الداخلة في العملية الإنتاجية، وإعادة النظر في أسعار الكهرباء، ولا سيما لمعامل الصهر والدرفلة، لتصبح مساوية لأسعار الكهرباء في باقي المنشآت الصناعية، تشجيع إقامة المعارض الداخلية والخارجية برسوم منخفضة وإتاحة فرص المشاركة أمام الصناعيين، وتخفيض إيجارات المصانع في المناطق الصناعية.
تحركات سابقة
وتأتي هذه الأزمة بعد سلسلة لقاءات ومحاولات لاحتواء المشكلات. ففي الثامن من أيلول الجاري، عقدت غرفة صناعة حلب اجتماعاً مع المحافظ عزام الغريب، ناقش فيها أبرز التحديات التي تواجه القطاع الصناعي وسبل تحسين بيئة العمل والإنتاج. كما تطرق الاجتماع بشكل خاص إلى أوضاع المنشآت التي تضررت بفعل القصف في السنوات السابقة، والحاجة الماسّة إلى خطط لإعادة تأهيلها وضمان استمرارها في خدمة الاقتصاد المحلي.
وقبل ذلك بشهر واحد، وتحديداً في آب الماضي، قام الوزير الشعار برفقة محافظ حلب بجولة في المدينة الصناعية بالشيخ نجار شمال شرق المدينة. الجولة هدفت إلى الاطلاع على مطالب الصناعيين عن قرب، والتي تركزت حينها على ضرورة ترميم البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية وتأمين مستلزمات الإنتاج، بما يساهم في إعادة تنشيط القطاع الصناعي وتحريك عجلة التنمية الاقتصادية.
يقف اليوم الصناعيون أمام مفترق طرق. إما الاستقالة وقبولها من وزير الاقتصاد، أو إيجاد حل لقضاياهم ومشاكلهم التي من المؤكد أنها ستؤثر على العمال في المصانع، والنتيجة ستكون متوقفة على ما سيسفر عنه هذا الاجتماع. وبالرغم من الاتهامات الموجهة لأعضاء غرفة الصناعة بأنهم يطالبون بقضايا شخصية، إلا أنهم يصرون على أن قضيتهم هي معركة للدفاع عن الصناعة الوطنية، التي يعتبرونها ركيزة أساسية في عملية إعادة البناء، وصوتاً لا يجب أن تتجاهله للحكومة.
اقرأ أيضاً: وزارة الاقتصاد والصناعة تصدر قرارات لتسهيل عمل المنشآت الصناعية في سوريا




