الكاتب: أحمد علي
على طريق الإسفلت الساخن الذي يربط بين عمّان ودمشق، عادت العجلات إلى الدوران كما في سابق العهد. الشاحنات الأردنية، المُحمّلة بما يلزم لإعادة بناء ما دمرته الحرب، عبرت الحدود إلى سوريا بأعداد ضخمة في مشهد يعكس بوادر انتعاش تجاري آخذ بالتصاعد. فبعد سنوات من الجمود والركود، يبدو أن التبادل التجاري بين البلدين بدأ يستعيد عافيته تدريجياً، مدفوعاً بإرادة سياسية ومصالح اقتصادية متبادلة.. فما هي الصادرات الأردنية إلى سوريا وما حجمها؟
ومنذ السادس عشر من كانون الأول وحتى الثاني من تموز، سجّلت حركة مرور الشاحنات الأردنية إلى الداخل السوري رقماً لافتاً، في مؤشر يعكس تغيّراً ملحوظاً في مسار العلاقات التجارية.
الصادرات الأردنية إلى سوريا: أكثر من 31 ألف شاحنة
أظهرت بيانات رسمية صادرة عن دائرة الجمارك الأردنية أن ما مجموعه 31434 شاحنة أردنية عبرت إلى الأراضي السورية خلال الفترة المشار إليها. وتوزعت هذه الشاحنات على عدة قطاعات تصديرية، كان في مقدمتها قطاع الإنشاءات، الذي استحوذ على الحصة الأكبر.
فقد بلغت عدد الشاحنات المحمّلة بمواد بناء وإنشاء نحو 17535 شاحنة، لتحتل المرتبة الأولى في قائمة الصادرات الأردنية، في دلالة واضحة على مساهمة الأردن في دعم مشاريع إعادة الإعمار داخل سوريا.
الزراعة والصناعة.. حضورٌ متوازن
القطاع الزراعي جاء في المرتبة الثانية بـ 2323 شاحنة، محمّلة بالخضروات والأسمدة والأدوات الزراعية، ما يعكس اهتماماً أردنياً بتأمين احتياجات السوق السورية من المواد الغذائية والزراعية، خصوصاً مع ما شهده القطاع الزراعي السوري من تراجع في السنوات الأخيرة.
أما القطاع الصناعي فقد حل ثالثاً بـ 2289 شاحنة، تنوّعت حمولتها بين المواد الخام الصناعية، وألواح الطاقة، وبعض الصناعات التحويلية، ما يشير إلى مساهمة الأردن في رفد السوق السورية بمكونات تُستخدم في تشغيل المصانع أو المشاريع الصغيرة.
مواد غذائية ومفروشات..
وجاء القطاع الغذائي في المرتبة الرابعة بـ 1265 شاحنة، تضمّنت مواد تموينية واستهلاكية أساسية. كما عبرت 8022 شاحنة أخرى من قطاعات مختلفة، أبرزها الأثاث المنزلي، الأجهزة الكهربائية، والمفروشات، الأمر الذي يعتبره البعض دلالة على بدء السوريين بتجهيز منازلهم، في ظل تحسّن نسبي في الوضع الداخلي.
الإسمنت يتصدّر المشهد
وبحسب ما نقلته قناة «المملكة» الأردنية، فقد احتل الإسمنت المركز الأول في قائمة المواد المُصدّرة من الأردن إلى سوريا، بإجمالي 16811 شاحنة. تلاه الأثاث المنزلي بـ 7344 شاحنة، ثم الخضروات بـ 2011 شاحنة. وهذه الأرقام توضح مدى تنوّع الطلب السوري، من مواد البناء الثقيلة إلى احتياجات الحياة اليومية.
قفزة في قيمة الصادرات: 454% خلال الثلث الأول من العام
وفي سياق متصل، أظهر التقرير الشهري الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة الأردنية في نهاية حزيران، أن الصادرات الأردنية إلى سوريا سجّلت ارتفاعاً ضخماً بنسبة 454%. إذ بلغت قيمتها 72 مليون دينار أردني خلال الثلث الأول من هذا العام، مقارنة بـ 13 مليون دينار فقط للفترة نفسها من عام 2024.
وكشف رئيس غرفتي تجارة الأردن والعاصمة عمّان، العين خليل الحاج توفيق، أن عدد الشاحنات المغادرة من الأردن إلى سوريا عبر مركز حدود جابر، منذ مطلع العام وحتى بداية تموز، بلغ 83222 شاحنة.
أما من الجهة المقابلة، فقد دخلت إلى الأردن 77632 شاحنة سورية، ما يشير إلى توازن في حركة العبور التجاري، وإن كان الفارق يميل قليلاً لصالح التصدير الأردني.
وأكد الحاج توفيق أن القطاع الخاص الأردني حريص على المساهمة في جهود إعادة بناء سوريا، من خلال توفير المواد والاحتياجات الأساسية التي يتطلبها هذا النوع من المشروعات. وقال: «المملكة لها موقف تاريخي في دعم الشعب السوري، ونحن في القطاع الخاص نُسخّر إمكانياتنا لدعم عملية الإعمار».
كما أشار إلى أن النشاط التجاري آخذ بالعودة إلى ما كان عليه سابقاً، وأن الأرقام الحالية تؤكد وجود انتعاش تدريجي في العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
ما وراء الأرقام: من أين جاءت البضائع؟
تكشف بيانات صحيفة Jordan Times أنه من أصل 59788 شاحنة خرجت من الأردن باتجاه سوريا خلال خمسة أشهر، كانت فقط 21574 شاحنة تحمل صادرات أردنية فعلية، في حين شكّلت شاحنات «الترانزيت» النسبة الكبرى بعدد 36805 شاحنة. هذا التفاوت العددي يدفعنا إلى سؤال جوهري: من أين جاءت هذه البضائع إذا لم تكن من منشأ أردني؟
لم نتمكن من الحصول على معلومات دقيقة حول بلاد المنشأ الأساسي، لكن بالرجوع إلى طبيعة التبادل التجاري الإقليمي، من المرجّح أن تكون هذه الشحنات قادمة من دول الخليج العربي، أو الموانئ الأردنية كالعقبة، وهي تنقل بضائع آسيوية أو أوروبية أو خليجية متجهة إلى الأسواق السورية أو اللبنانية عبر الأراضي الأردنية. ويُرجّح أن تتضمن هذه البضائع سلعاً استهلاكية عامة، أجهزة إلكترونية، أدوات كهربائية، أو مستلزمات صناعية لا تُنتج محلياً في الأردن (بخلاف الإسمنت والخضراوات)، بل يتم تخزينها أو إعادة شحنها عبر مراكز الخدمات اللوجستية الأردنية.
سوريا تعود إلى خريطة التجارة الإقليمية
على أية حال، من الملاحظ أن هذه الأرقام لا تعبّر فقط عن تبادل بضائع، بل تحمل دلالات أعمق تتعلق بعودة سوريا شيئاً فشيئاً إلى الخريطة الاقتصادية في المنطقة. فالحرب التي عطّلت عجلة التجارة طوال أكثر من عقد، بدأت تفسح المجال أمام محاولات جدّية لإعادة الربط الاقتصادي، لا سيما مع الجيران التقليديين مثل الأردن.
وإذا استمر هذا التوجّه التصاعدي، فمن المتوقع أن يشهد النصف الثاني من العام زيادة أكبر في أرقام الصادرات والمبادلات، ما من شأنه أن يسهم في تحريك عجلة الاقتصاد السوري، ويمنح الأردن موقعاً محورياً في السوق السورية.
اقرأ أيضاً: العلاقات التجارية بين سوريا والأردن تنتعش مجددًا بعد إلغاء ضريبة الديزل