إلى من يحكم دمشق: اهربوا من الدولار وإلا ستسقط سوريا معه!

مقال رأي – عروة درويش – إلى من يحكم دمشق: اهربوا من الدولار وإلا ستسقط سوريا معه!
إلى من يحكم دمشق: لا تكرروا خطأ الأمس، ولا تربطوا مصير سوريا بورقة خضراء ذابلة اسمها الدولار. العالم يتغير أمام أعيننا: الاحتياطيات تهجر الدولار، والديون الأمريكية تتضخم حتى الانفجار، والذهب واليوان يصعدان ليكتبا فصلاً جديداً في التاريخ المالي. السعودية والإمارات، رغم عمق علاقتهما بواشنطن، قررتا التحول شرقاً والانضمام إلى أنظمة دفع تتجاوز قبضة سويفت. أما السلطة السورية التي سقطت، فقد دفنها عماها وفسادها لأنها تجاهلت هذا التحول. أحاول في هذا المقال أن أشرح وجهة نظري: لماذا يجب على سوريا الجديدة أن تقرأ العالم جيداً، وأن تسعى لجمع اليوان لا الدولار، وأن تفتح أبوابها لمبادرات الشرق، حيث يُكتب مستقبل التجارة والمال؟
كلّ من يتابع بشكل واعٍ ميزان القوى الدولية، بات يدرك أنّ الدولار لم يعد ذلك السلاح الحاسم الذي لا يُهزم. الأرقام نفسها تحكم: 42% فقط من الاحتياطيات العالمية ما زالت بالدولار – وهو أدنى مستوى منذ منتصف التسعينيات – بينما ارتفعت حصة الذهب إلى 24%، وهي الأعلى منذ ثلاثة عقود. الصين، التي كانت قبل عقد ونصف تحتفظ بـ 1.5 تريليون دولار من السندات الأمريكية، لم تُبقِ اليوم سوى 600 مليار.
هذا التراجع لا ينفصل عن أزمة الدين الأمريكي الذي بلغ نحو 37 تريليون دولار، أي أكثر من 125% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. وفق تقديرات مؤسسة «بيترسون للاقتصاد الدولي PIIE»، يزداد الدين بمعدل تريليون كل خمسة أشهر، وهي الوتيرة الأعلى بمقدار الضعف مقارنة بما كان عليه الحال قبل ربع قرن.
لتمويل العجز، تحتاج واشنطن هذا العام إلى 9 تريليونات دولار من سوق السندات. حتى مؤشر الدولار أمام ست عملات رئيسية «اليورو، الين، الجنيه الإسترليني، الدولار الكندي، الكرونة السويدية، الفرنك السويسري» يظهر هبوطاً، بينما كتبت «بلومبيرغ Bloomberg» أن «ضعف الطلب على الدولار يتزايد، وهناك هوامش لانخفاضات أعمق».
اليوان هو من يتقدم وأنظمة الدفع تبتعد عن واشنطن
في المقابل، تُعيد الصين رسم الخريطة المالية عبر نظام CIPS الذي انطلق عام 2015. أحجام معاملاته تضاعفت، وانضمت إليه بنوك من مختلف القارات. الإمارات وقّعت اتفاقية للانضمام، وبنغلادش حسمت قرارها في 2023 بتسوية مدفوعاتها مع روسيا باليوان بدلاً من الدولار.
المشهد الأوسع يؤكد التحول، وحتّى «المجلس الأطلسي Atlantic Council»، مركز الأبحاث الأمريكي الشهير بتأييده لسلطة واشنطن وتوسعها، سجّل تضاعف مشاريع البنوك المركزية لاعتماد العملات الرقمية العابرة للحدود منذ العقوبات على روسيا. مشروع mBridge، الذي يضم الصين وتايلاند وهونغ كونغ والإمارات والسعودية، يتيح التحويلات خلال ثوانٍ بعيداً عن النظام الأمريكي. بالتوازي، تملك روسيا نظام SPFS والهند نظام UPI، ومع دمجها مع CIPS يصبح تجاوز «سويفت» واقعاً عملياً يتم تحقيقه في الفترات القادمة.
نحو الشرق: خيار جيو-استراتيجي
في هذه اللحظة الدولية الفاصلة، علينا أن نتذكر السلطة الساقطة وشعاراتها عن التحوّل شرقاً. لكن في الحقيقة، ما الذي فعلته السلطة السابقة للتحوّل شرقاً بحق، ومن ضمن ذلك الهروب من العقوبات الأمريكية عبر سويفت؟ الإجابة: لا شيء، لم تفعل شيئاً. بل بقيت أسيرة فسادها المستشري، عاجزة عن اتخاذ قرار سيادي يفتح بوابة حقيقية نحو الشرق.
في هذا الوقت، كانت السعودية والإمارات، رغم تحالفهما مع واشنطن، تتحولان تدريجياً إلى اليوان وأنظمة دفع جديدة، بقيت دمشق تدور في فلك الدولار، وكأنها راضية بالاختناق. كانت النتيجة هي انهيار سلطة عاجزة عن حماية اقتصادها أو شعبها، وسقوطها تحت وطأة الفساد ومحاولة الحفاظ على مصالح النخبة المالية المرتبطة بالغرب، وحلفائهم رؤوس السلطة الحكومية والأمنية.
اليوم، على الحكومة والسلطات السورية أن تواجه خياراً وجودياً: إما الاستمرار في الارتهان للدولار والبحث عن إرضاء الغرب، أو إعادة التموضع حيث تُكتب قواعد النظام المالي القادم. الطريق واضح:
- اعتماد اليوان في المدفوعات الخارجية، بما يضمن استقرار العقود طويلة الأمد بعيداً عن تقلبات الدولار.
- تنويع الاحتياطيات بتجميع الذهب واليوان والدرهم. البنوك المركزية العالمية اشترت أكثر من 1000 طن ذهب عام 2024، في أكبر قفزة منذ خمسينيات القرن الماضي، بينما خفّض الأجانب حيازاتهم من السندات الأمريكية بـ 640 مليار دولار خلال ثلاث سنوات.
- الانضمام إلى مبادرات الشرق مثل بنك التنمية التابع لمنظمة شنغهاي للتعاون، الذي يدير تجارة تتجاوز 2000 مليار دولار بين أعضائه، مع هدف استراتيجي لبناء نظام مدفوعات مستقل عن واشنطن وبروكسل.
- تعزيز التجارة بالعملات الوطنية للدول التي بدأت منذ زمن في كسر هيمنة الأمريكيين: مثل روسيا والصين والبرازيل. يكفي التذكير هنا بأن روسيا رفعت نسبة الروبل في تعاملاتها مع القارة الأمريكية الجنوبية إلى 64% في الربع الثاني من 2025، أي أكثر من ضعفي النسبة خلال العام السابق.
دفن الدولار والبحث عن بدائل
المشهد الجيو-استراتيجي أوضح من أي وقت مضى: الدولار الذي كان «إمبراطور المال» يترنح تحت وطأة ديونه وضعف الثقة به. الذهب عاد ليأخذ مكانته كأصل ثقة عالمي، واليوان يتقدم بثبات من آسيا إلى أفريقيا. القوى الصاعدة – من البريكس إلى منظمة شنغهاي – لا تنتظر إذناً من واشنطن، بل تبني واقعاً جديداً.
بالنسبة لسوريا، التي عانت من العقوبات أكثر من غيرها «ولا تزال رغم كل الهرج والمرج عن رفع العقوبات»، لا مجال للالتفاف أو التأجيل. تجميع اليوان بدل الدولار لم يعد مجرد توصية اقتصادية، بل خيار جيو-استراتيجي يحدد ما إذا كانت سوريا ستبقى رهينة الماضي، أو تلتحق بمستقبل يُكتب في الشرق.
ندرك جميعاً من خلال ما نسمعه بأنّ مراكز القوة لدى السلطة الجديدة متنوعة، ويبدو أنّ بعضاً من أجزائها متحالف، أو ربّما حتّى تابع، للغرب ومؤسساته. لكن هذه هي الفرصة أمام الأجزاء التي تريد البقاء، وإبقاء سوريا معها، أن تتخذ الخطوات اللازمة للاستقلال الاقتصادي…
اقرأ أيضاً: حين توقفت الرشاوى… تعطّلت الدولة!
————————————————————————————————————
تنويه
يفتح موقع «سوريا اليوم 24» صفحاته لكل من يحمل رأياً ويرغب في التعبير عنه بحرّية ومسؤولية، إيماناً منا بأن الحوار هو السبيل الأمثل لفهم الواقع وصياغة المستقبل. نحن نُجري لقاءاتنا مع ضيوف من مشارب فكرية وسياسية متعددة، نستمع إليهم ونعرض ما لديهم بأمانة وموضوعية، وننقل الآراء المختلفة من مصادر متعددة. ولكن نشرنا لآرائهم لا يعني بالضرورة تبنّيها، بل يأتي في إطار رسالتنا الهادفة إلى ترسيخ ثقافة الحوار وتبادل الرؤى في فضاء من الاحترام والانفتاح.




