لطالما تميّزت سوريا بموقعها الجغرافي الاستراتيجي، الذي جعلها عقدة مواصلات دولية مهمة، وواحدة من الدول التي يشكل عبورها اختصاراً مهماً للمسافات بين آسيا وأوروبا، كما أنها تمثل بوابةً لتركيا ودول الخليج العربي على بعضهما، مما يمنح مشروع إعادة تفعيل النقل الطرقي الترانزيت مع تركيا أهمية كبيرة في طريق النهضة الاقتصادية.
اليوم، ترسم الحكومة السورية ملامح علاقات جديدة مع تركيا، من خلال توقيع اتفاق لإعادة تفعيل النقل الطرقي الترانزيت بين البلدين، بعد توقف دام أكثر من خمسة عشر عاماً، ويُعيد هذا الاتفاق إلى سوريا دورها المحوري كحلقة وصل بين قارات آسيا وأوروبا.
بنود الاتفاق
الاتفاق يشمل نقل البضائع التجارية بين البلدين، والسماح لفئات محددة من المسافرين بالعبور عبر معبر باب الهوى، مع تقديم تسهيلات خاصة لبعضهم، على أن يتم تثبيت هذه التسهيلات عبر اتفاقيات رسمية قيد التوقيع خلال الأيام القادمة، بحسب مازن علوش، مدير العلاقات العامة في هيئة المنافذ البرية والبحرية.
كما يتضمن الاتفاق إعادة الالتزام ببنود اتفاق النقل الطرقي الموقع بين سوريا وتركيا عام 2004، والذي يتيح استخدام مرافق Ro-Ro، ما يعني السماح للشاحنات السورية باستخدام الموانئ التركية، والعكس صحيح.
ومن الجدير بالذكر أن هيئة المنافذ كانت قد فرضت رسوم عبور على الشاحنات التركية بنسبة 2%، و0.5% على الشاحنات القادمة من أو المتجهة إلى الموانئ التركية.
ويتكامل هذا الاتفاق مع مشروع تركيب رادارات حديثة في مطارات دمشق وحلب ودير الزور، استعداداً لإعادة افتتاحها وتحديثها، إلى جانب تأهيل مطارات أخرى للعمل، بحسب مدير هيئة الطيران المدني، أشهد الصليبي.
كذلك، استفاد السائقون المهنيون العاملون على الخطوط الدولية من هذه الاتفاقية، إذ تم التعهد بمنحهم تأشيرات دخول، والتخفيف من المعايير الفنية المفروضة عليهم، وفرض رسوم معقولة، إلى جانب تنظيم برامج تدريبية مشتركة.
وسيُعاد تفعيل اللجنة المشتركة بين سوريا وتركيا، لمتابعة تنفيذ الاتفاق، ومعالجة أي قضايا خلافية، بما يضمن تطبيقاً سلساً للاتفاق، ويسهّل حركة عبور المواطنين والشاحنات.
وبحسب الخبير الاقتصادي أسامة عبد الهادي، فإن الاتفاق يحمل فوائد مشتركة لكلا الطرفين، أبرزها تسهيل تدفّق السلع والبضائع، وتحسين الإيرادات الجمركية الناتجة عن عبور الشاحنات، كما يُعيد لسوريا دورها كصلة وصل إقليمي بين تركيا والخليج العربي والأردن، ويفتح الباب واسعاً أمام تحسين الخدمات اللوجستية المتوقفة منذ أكثر من عقد.
في تعليق على “فيسبوك”، كتب أحد سائقي الشاحنات الدولية أنه توقف عن مزاولة مهنته منذ سنوات، مطالباً بإعادة النظر في أوضاع السائقين، وجاء هذا الاتفاق ليبعث الأمل مجدداً في نفوس هؤلاء، ويُعيد نشاط حركة الشاحنات ومحطات الوقود، بما يخلق فرص عمل جديدة في قطاعي النقل والطاقة.
وباختصار، فإن التحسن الاقتصادي قد يكون واسع النطاق، ولكن يبقى السؤال: كيف كان النقل الطرقي الترانزيت بين سوريا وتركيا قبل الثورة؟ وما مدى استفادة سوريا منه؟
اقرأ أيضاً: رفع القيود على تصدير البضائع السورية لتركيا والأردن
النقل الطرقي الترانزيت بين سوريا وتركيا قبل الثورة
منحت الجغرافيا السورية البلاد ميزات اقتصادية هائلة، جعلتها خيارًا مثاليًا للدول العابرة بين القارات، فقد شكّل قطاع النقل ما نسبته 13% من الناتج المحلي الإجمالي السوري عام 2010، أي ما يعادل نحو 7.8 مليار دولار.
لكن عند المقارنة مع تركيا التي تمتلك ميزات جغرافية مماثلة، نجد أن شبكة الطرق السورية كانت متأخرة نسبياً، ففي سوريا، يخدم كل كيلومتر مربع من المساحة حوالي 340 متراً فقط من الطرق المعبدة، بينما الكثافة السكانية على هذه الطرق تصل إلى 350 نسمة لكل كيلومتر، في المقابل، تمتلك تركيا 450 متراً من الطرق لكل كيلومتر مربع، مع كثافة سكانية أقل تبلغ 222 نسمة لكل كيلومتر، أي طرق أكثر وزحاماً أقل.
وهذا يعني أن تركيا تتفوّق بنسبة 28% في البنية التحتية للطرق، مما يُظهر بوضوح الحاجة الماسّة إلى تطوير شبكة النقل السورية.
تاريخياً، انتعشت شبكة الطرق في سوريا بين عامي 1970 و1990، حيث شهدت نموًا بنسبة 70%، خاصة على مستوى الأوتوسترادات. أما خلال العشرين سنة الأخيرة، فقد تباطأ هذا التوسع إلى 37% فقط، ويُلاحظ أن الطرق الرئيسية لا تتجاوز نسبتها 10% من مجموع الطرق، أما الأوتوسترادات فلا تشكل إلا 2% من الطرق المعبدة.
أما من ناحية الرقابة على البضائع، فإن كمية البضائع المنقولة في سوريا وسطياً بلغت 2030 طناً/كم سنوياً، بينما تُنقل في تركيا أربعة أضعاف هذه الكمية، ما يكشف عن هدر واضح للفرص الاقتصادية في سوريا، ويُظهر أن قطاع النقل السوري يعتمد بشكل أكبر على البضائع العابرة (الترانزيت)، لا على الإنتاج المحلي.
وتشير الإحصائيات إلى أن عدد الشاحنات التركية التي دخلت سوريا في عام 2010 بلغ أكثر من 100 ألف شاحنة، بينما عبر منها باتجاه دول أخرى نحو 50 إلى 60 ألف شاحنة سنوياً.
في المقابل، بلغ عدد الشاحنات السورية التي عبرت الأراضي التركية حوالي 622 شاحنة فقط، فيما بلغ عدد الشاحنات السورية التي دخلت تركيا، محملة أو فارغة، حوالي 3 آلاف شاحنة.
وقد وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2010 إلى نحو 2.5 مليار دولار، بينما لم تتجاوز الصادرات السورية حينها 800 مليون دولار، أما في عام 2005، فقد بلغت واردات سوريا من تركيا نحو 135 مليون دولار (ما يعادل 15.564 مليار ليرة سورية)، بينما بلغت صادراتها إلى تركيا حوالي 269 مليون دولار (أي ما يعادل 13.412 مليار ليرة).
في الختام إن إعادة تفعيل النقل الطرقي الترانزيت بين تركيا وسوريا يتطلب بعض الوقت لينطلق بشكل طبيعي، إلا أن العودة إلى مستويات الأرباح والتبادل التجاري السابقة تعتمد بشكل مباشر على التسهيلات المقدّمة من الجانبين، ومدى اهتمام الحكومة السورية بتطوير هذا القطاع الاستراتيجي.
اقرأ أيضاً: العلاقات التجارية بين سوريا والأردن تنتعش مجددًا بعد إلغاء ضريبة الديزل