لم تخذل ألمانيا السوريين طيلة أربعة عشر عاماً، وفتحت ذراعيها لهم في أشدّ الظروف قسوة، وكانت من أوائل الدول التي دعت إلى فتح باب اللجوء لهم. بالمقابل، أغنى اللاجئون السوريون المجتمع الألماني بكافة الخبرات، فكانوا أطباء وصيادلة ومهندسين ومعلمين وعاملين في جميع المرافق الألمانية، ومنهم من اندمج في المجتمع الألماني حتى أنه بنى حياة كاملة هناك.
وفي الوقت الذي سقط فيه النظام السابق، سارعت الدول الأوروبية -ومنها ألمانيا- لتقديم الإغراءات المالية للعودة الطوعية للاجئين السوريين، لكن ما يحصل اليوم، هل هو تضييق عليهم؟
أقرّ مجلس النواب الألماني (البوندستاغ) يوم الجمعة مشروع قانون لتعليق لمّ شمل عائلات المهاجرين غير المؤهلين للحصول على وضع اللاجئ الكامل، وذلك وفاءً بتعهد انتخابي من التيار المحافظ للحد من الهجرة وتخفيف الضغط على أنظمة الاندماج.
وصوّت لصالح مشروع القانون حوالي 444 نائباً، في حين عارضه 135 نائباً، ومن المتوقع أن يوافق عليه مجلس الشيوخ (البوندسرات)، الذي يمثل الولايات الفيدرالية في ألمانيا، خلال شهر يوليو، مما يمهد الطريق لتحويله إلى قانون نافذ.
تستضيف ألمانيا حالياً ما يقارب 388,000 لاجئ يتمتعون بـ”وضع الحماية الثانوية”، ومعظمهم من السوريين، وهو شكل من أشكال الحماية الدولية يُمنح للأشخاص الذين لا يستوفون شروط اللجوء الكامل، لكنهم لا يزالون يواجهون خطراً حقيقياً بالتعرض لأذى جسيم في حال عودتهم إلى بلادهم.
لم يكن هذا الإجراء مستغرباً في ظلّ صعود اليمين المتطرف في ألمانيا، ففي الانتخابات الفيدرالية التي جرت في شباط الماضي، كانت قضية الحد من الهجرة من أبرز المحاور التي ركّز عليها الحزب، حيث حقق حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف مركزاً ثانياً تاريخياً ببرنامجه المناهض للهجرة.
ويبدو أن ألمانيا قد اكتفت من استقبال المهاجرين، فقد علّق وزير الداخلية ألكسندر دوبريندت على القرار قائلًا: “مشروع القانون الجديد ضروري، لأن قدرة ألمانيا على الاندماج، خاصة في مجالات التعليم، ورعاية الأطفال، والإسكان، قد وصلت إلى حدّها الأقصى”.
لكن قلقًا من نوع آخر بدأ يتسلل إلى نفوس السوريين في ألمانيا، بعد تكرار عدة حوادث مرتبطة بتنظيم داعش، كان المتورطون فيها من السوريين، ويكمن الخوف في أن تقوم السلطات الألمانية باتخاذ إجراءات صارمة قد تطال سوريين أبرياء لمجرد الاشتباه.
اقرأ أيضاً: السوريون في ألمانيا: بين تراجع الأعداد ورحلة اندماج ناجحة
حوداث لداعش في ألمانيا
في مثل هذا الوقت من الصيف الماضي، كان من المقرر أن تُقيم المغنية العالمية تايلور سويفت ثلاث حفلات ضخمة في العاصمة النمساوية فيينا، إلا أن المخابرات الأمريكية نبهت السلطات النمساوية لاحتمال وقوع تفجير أثناء الحفل.
لاحقاً، اعتُقل المشتبه به الرئيسي، البالغ من العمر 19 عاماً، في منزل والديه في بلدة قريبة من فيينا، وذكرت الشرطة أنه تم العثور في منزله على مناجل وسكاكين ومؤقتات ومواد كيميائية لصنع المتفجرات، بالإضافة إلى أموال مزيفة ومواد دعائية لتنظيم الدولة الإسلامية.
وتشير التحقيقات إلى أن المشتبه به كان على تواصل مع مراهق سوري مقيم في ألمانيا، ما دفع السلطات الألمانية إلى الإسراع باعتقاله.
وُجّه للمراهق السوري، المدعو محمد أ عدة تهم من قبل الادعاء العام، من بينها المساعدة في شرح تعليمات صنع القنابل باللغة العربية، ترجمة قسم الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية، دعم منظمة إرهابية أجنبية، والمشاركة في الإعداد لـ”عمل عنف خطير يهدد أمن الدولة”.
وبحسب إحدى الصحف الأجنبية، أصبح محمد متطرفاً عبر الإنترنت، وكان حلقة الوصل بين المشتبه به النمساوي وأحد عناصر التنظيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ولا تُعد هذه الحادثة الوحيدة، فقد تكررت حوادث عنف تورط فيها سوريون متطرفون، أبرزها اعتراف أحدهم بتنفيذ هجوم بسكين في مدينة زولينغن الألمانية في آب الماضي، أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، وذكرت السلطات أن المنفذ أعلن مبايعته لتنظيم داعش في فيديو قبل الهجوم بفترة وجيزة.
ختاماً، يعيش اللاجئون السوريون اليوم حالة قلق متزايدة من أن يتم التضييق عليهم بذرائع أمنية أو قانونية لا علاقة لهم بها، ورغم تحطم آمال الكثيرين بلمّ شمل عائلاتهم، يبقى الأمل موجوداً بإمكانية إيقاف مشروع القانون في تصويت مجلس الشيوخ القادم.
اقرأ أيضاً: قرارات الحكومة الألمانية الجديدة تحبط اللاجئين السوريين