هل اقترب تنفيذ اتفاق آذار بين دمشق وقسد؟!

الكاتب: أحمد علي
تتبدّل خرائط الشمال السوري هذا الأسبوع كلوحٍ حيّ تتناوب عليه ظلال القلق وفرص التهدئة. اشتباكٌ محدود في حلب يعيد ترتيب الحساسيات، ولقاءاتٌ في دمشق تفتح أبواباً ظنّها كثيرون موصدة، وزياراتٌ إلى الحسكة تضع الوسطاء تحت الضوء البارد للاختبار.. وسط هذا الحراك يبرز السؤال الذي يقفز من بين التفاصيل: هل أصبح تنفيذ اتفاق آذار بين قسد ودمشق أقرب فعلاً، أم أننا أمام فصلٍ جديد من سياسة كسب الوقت؟
اتفاق آذار بين قسد ودمشق: بين هدنة حلب ودفاتر السياسة
البدايات كانت من الميدان. إذ شهدت أحياء الأشرفية والشيخ مقصود في حلب توتراً انتهى إلى وقفٍ لإطلاق النار بعد جولات من الاشتباك وإعادة انتشار لقوات الحكومة.. هذه البداية ورغم الشعور بالأسف حيالها، ربما تحمل أهمية وحيدة، هي أنها أعادت اتفاق آذار بين قسد ودمشق إلى دائرة الضوء مجدداً بعد سبعة أشهر من توقيعه، بعدما اتضح أن أي شرارة محلية كفيلة بكشف هشاشة خطوط التماس وإمكانات انفجارها في أي لحظة.
وما رشح من التصريحات الرسمية ربط بوضوح بين تهدئة حلب ومسار الاندماج المؤجل، وهو ما أُعلن عنه في بيانات رسمية خلال السادس والسابع من الشهر الجاري.
توازياً، سُجّل في دمشق لقاءٌ بين القائد العام لقسد مظلوم عبدي والرئيس السوري أحمد الشرع، تَصدَّرته إشارةٌ إلى تثبيت وقفٍ شامل لإطلاق النار شمالاً وشرقاً، وربطِ ذلك بجدولٍ لخطواتٍ سياسية وأمنية قيد التفاوض. وهذه الصورة لم تأتِ منفصلة عن سياق اتفاق آذار بين قسد ودمشق، بل بدت محاولةً لإعادة تدوير بنيته.
وساطة ثقيلة: توم باراك إلى الحسكة و«كوبر» في الكواليس
على عجل، وبعد غياب نسبي عن المشهد السوري والتصريحات، تحرّك الفتى الأمريكي، وقام توم باراك بزيارة إلى الحسكة قُدّمت كتحرّكٍ لتبريد التوتر ومراقبة تقدّم بنود اتفاق آذار بين قسد ودمشق، وسط رسائل تؤكد أن المسعى لا يستفزّ مصالح أنقرة ولا يفتّ في عضد ترتيبات الأمن الإقليمي.
الجديد هنا ليس الزيارة بحدّ ذاتها، بل التصريح المصاحب الذي ربطها صراحةً بمسار آذار والخطوات التنفيذية اللاحقة. كما تُتداول أسماء أخرى في كواليس الوساطة—بينها «كوبر»—بوصفها لعبت دوراً في تخفيف الاحتكاك ودفع الطرفين إلى تثبيت الهدنة.
صوت مسد في 8 تشرين الأول: تثبيت ذاكرة المظلومية واشتراط التنفيذ
على خطٍ موازٍ، خرج مجلس سوريا الديمقراطية ببيانٍ في 8 تشرين الأول يُذكّر بملفّاتٍ إنسانية عالقة، من سري كانيه/رأس العين وتل أبيض إلى ملفّ النزوح والهوية، مطالباً بتصحيح الاختلالات وإيقاف سياسات التغيير المفترض في المناطق المحتلّة، ومُلمحاً إلى بطءٍ أو مماطلةٍ في ترجمة تفاهمات آذار إلى واقع.
وهنا، يشتغل الخطاب على ثلاث طبقات: تثبيت السردية، وضع سقفٍ أخلاقي للاتفاق، ثم تذكير دمشق والوسطاء بأن اتفاق آذار لن يُقاس بنصوصه فقط بل بميزان الإعادة والعودة والاعتراف.
أنقرة تدخل بصوتٍ عالٍ: رسالة إلى ما بعد الهدنة
أيضاً، ولعلاقتها المباشرة في الأمر، وانعكاساته عليها، لم تنتظر تركيا طويلاً. خرجت برسالةٍ مباشرة تطالب قسد بالتخلّي عن «الأجندة الانفصالية» – وفق توصيفها – بعد إعلان وقف إطلاق النار، معتبرةً أن الحكومة في دمشق باتت قادرةً على ضبط محاربة تنظيم الدولة من دون ترتيباتٍ موازية تُقلق الأمن التركي.
القراءة الأوضح لخطاب أنقرة أنه ضغطٌ استباقي على تفاصيل التنفيذ: أين يتموضع مقاتلو قسد؟ كيف تُدار الحدود؟ من يحكم المعابر والحقول؟ هذه أسئلةٌ تعرف تركيا أن الإجابات عليها ستكتب مصير اتفاق آذار وتحدِّد ما إذا كان سيُهدّئ الشمال أم يفتح نافذةَ توترٍ جديدة.
بين النصّ والواقع: ما الذي يحسم اقتراب التنفيذ؟
الهدنة تُعطي نافذة، لكنها لا تصنع اتفاقاً بمفردها بطبيعة الحال. فلكي يتقدّم اتفاق آذار بين قسد ودمشق خطوةً عملية إلى الأمام، لا بدّ من تحويل مفرداتٍ ثلاث إلى آليات: أولاً، الدمج العسكري والإداري على مراحل واضحة تبدأ بالمناطق الأكثر حساسية – كحلب وأطراف الحسكة – مع منظومة ضبط اشتباكٍ موحّدة.
ثانياً، ضماناتٌ متبادلة تُطمئن المجتمعات المحلية والأطراف الإقليمية – خصوصاً تركيا – من دون تحويل الاتفاق إلى وصاية. ثالثاً، مسار عدالةٍ وخدماتٍ يلتقط فورية الحياة اليومية: الرواتب، إدارة الموارد، فتح المعابر، وعودة جزءٍ من النازحين. وفي المقابل، يبدو واضحاً أن أي تعثّر في تعريف «من يحكم ماذا ومتى» سيعيدنا إلى سياسة المربّعات الرمادية التي استنزفت الجميع.
خلاصة الأمر أن مشاهد حلب، ولقاء دمشق، ووساطة الحسكة، وتصريحات مسد وأنقرة، كلها توحي بأن شيئاً ما سيحصل لهذا الملف/الاتفاق الذي كانت وعوده تقول بأنّ تقدماً مهماً وملموساً وبنسبة عالية سيحصل ضمنه ما قبل نهاية العام الحالي 2025. لكن ما الذي سيحصل؟ وإلى أين ستتجه الأمور؟ هذه تفاصيل لا يمكن الحسم بها بشكل قاطع الآن، رغم أن حساسية الملف وارتباطاته الإقليمية – تحديداً فيما يتعلق بتركيا- توحي بأن الأمور ستتجه للتهدئة بعيداً عن موجة تصعيد عالية.
على أية حال، الأمنيات لدى السوريين كبيرة بأن يكون الاتجاه العام لها هو القطع مع سلسلة الحرب والحشد العسكري/الأمني من الطرفين باتجاه حلول تحقن الدم وتفتح باب السياسة والحلول السياسية…
اقرأ أيضاً: كيف أشعل إلغاء عيد الشهداء معركة الذاكرة الوطنية؟


