ثقافة وتراث

أرشيف التلفزيون السوري…أين هو؟

تتسارع الأحداث وتتراكم الصور على شاشاتنا، ويبقى أرشيف التلفزيون ذاكرةً جماعية تحفظ ملامح الماضي، وتوثّق لحظات شكلت وجدان الشعوب، بين لقطات الأبيض والأسود، وصوت المذيع الأول، وبرامج الطفولة، ومسلسلات صنعت مواسمها جيلاً كاملاً من الذكريات، يبرز أرشيف التلفزيون كمخزن حيّ للثقافة والهوية، هو أكثر من مجرد تسجيلات قديمة، إنه مرآة لعصرٍ مضى، وشاهد صامت على تحوّلات اجتماعية وسياسية وفكرية

إلا أن سرقة أرشيف التلفزيون السوري أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والثقافية، داخل سوريا وخارجها، نظراً لما يمثّله هذا الأرشيف من ذاكرة وطنية توثّق عقوداً من التاريخ الفني والسياسي والاجتماعي للبلاد، وبعيداً عن الذاكرة السياسية للنظام السوري السابق فقد تضمّن هذا الأرشيف كنوزاً نادرة من البرامج، والأعمال الدرامية، والخطب الرسمية، واللقطات الأرشيفية التي لا تقدر بثمن، ومع تداول أنباء تفيد بخروج أجزاء ضخمة منه من البلاد بطرق غير قانونية أو بيعها لجهات أجنبية، تصاعدت التساؤلات حول مصير هذا التراث السمعي البصري، والمسؤولية المؤسسية في حمايته، في هذا المقال، نسلّط الضوء على خلفيات هذه القضية، ونناقش من وراء هذه السرقة.

منذ سقوط النظام السابق في 8 كانون الأول، وما تلاه من أعمال تخريب ونهب وفوضى، تعرّض أرشيف التلفزيون السوري للإهمال، شأنه شأن العديد من الملفات والسجلات الأخرى، وعلى الرغم من كثرة التقارير والشهادات الصادرة عن مطلعين على محتوى هذا الأرشيف، والتي تؤكد تعرضه للسرقة، وظهور أجزاء منه على مواقع إلكترونية، بل وتأكيد بيع بعضها في السوق السوداء، فإن الحكومة السورية الجديدة لم تفصح حتى الآن عن مصيره أو تتخذ خطوات واضحة لحمايته أو استعادته.

مدير سابق في التلفزيون السوري يؤكد تعرض الأرشيف للسرقة

ظهر معن حيدر، المدير السابق للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، في تسجيل مصور نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كشف عن تعرض أرشيف التلفزيون السوري للسرقة، مشيراً إلى أن جهة مجهولة بدأت بنشر مقاطع مسروقة منه على موقع يوتيوب.

وأوضح حيدر أن التلفزيون السوري كان المسؤول الحصري عن تغطية الفعاليات الرسمية والرئاسية منذ انطلاقه عام 1960 وحتى عام 2012، وكان يحتفظ بتلك التغطيات ضمن أرشيفه الذي يضم صوراً وأشرطة فيديو نادرة، وناشد حيدر وزير الإعلام الحالي، حمزة المصطفى، التدخل للتحقيق في الحادثة وكشف الجهة المسؤولة عن التسريب.

ولفت حيدر إلى أن كل نظام سياسي جديد في سوريا كان يسعى، منذ تأسيس التلفزيون، إلى محو الأرشيف المتعلق بالنظام السابق، مستشهداً بمحاولة طمس أرشيف فترة الوحدة مع مصر بعد الانفصال عام 1961.

وحذر من أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى فقدان الذاكرة السياسية لسوريا، مؤكداً أن الأرشيف التلفزيوني لا يمثل فقط الأنظمة، بل هو جزء من ذاكرة الشعب وثقافته، ويمكن من خلاله إنتاج وثائقيات ومسلسلات، إضافة إلى دراسة الحياة الاجتماعية في فترات سابقة، خصوصاً قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي.

كما أشار إلى أن النظام السابق قام بإخفاء نحو 300 شريط وثق أحداث الإخوان المسلمين في ثمانينيات القرن الماضي، موضحاً أن أوامر مكتوبة صدرت بتسليم هذه الأشرطة إلى أشخاص محددين، وربط حيدر هذا الإجراء بما حدث بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، وتسريب مقاطع محاكمته وتنفيذ حكم الإعدام فيه.

تسريب سابق قبل سقوط النظام

لم يكن هذا التسريب الأول لأرشيف التلفزيون السوري، إنما كان هناك تسريب آخر قبل سقوط النظام في شهر شباط 2024، وتوجهت أصابع الاتهام لشركة وطن نت وورك، بتهمة سرقة الإيرادات الخاصة بالتلفزيون السوري، وتم على إثره الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لشركة وطن نت وورك الشريكة لموقع يوتيوب ممثلة بمديرها العام محمد باسل خير، ومديرها التنفيذي إياد أحمد.

وبحسب مصدر من داخل الإذاعة والتلفزيون آنذاك أكد أن القرار صحيح وجاء بموجب كتاب من وزارة الإعلام، لكن الطرف الثاني ليس الهيئة العامة للإذاعة ولا الأرشيف السوري، وإنما المؤسسة العامة للإنتاج، كما أوضح أن هذا الإجراء جاء عقب انتهاء العقد المبرم بين المؤسسة وشبكة وطن، حيث أخلت الأخيرة بشروط الاتفاق بعد انقضاء مدته، ولم تقم بتسليم الأرشيف إلى المؤسسة، وبناءً على ذلك، تم رفع دعوى قضائية ضد شبكة “وطن نت وورك” بتهمة الاستيلاء على إيرادات أرشيف التلفزيون.

من هي شركة “وطن نت وورك”

تدير شركة “وطن نت وورك” أعمالها انطلاقاً من الولايات المتحدة الأميركية، بإشراف مديرها العام محمد باسل خير، والمدير التنفيذي إياد أحمد، الذي ينحدر من مدينة السلمية في ريف حماة الشرقي.

وتُعد “وطن نت وورك” شبكة متعددة القنوات (MCN)، ما يجعلها شريكاً رسمياً لمنصة يوتيوب العالمية، وتتمثل مهمتها في التعاقد مع شركات الإنتاج الفني بهدف حماية محتواها وإدارته عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتضم الشركة فريقاً واسعاً من الموظفين ذوي الخبرة والكفاءة العالية في هذا المجال.

وقد أطلقت الشركة سابقاً قناة متخصصة بالمسلسلات على يوتيوب، تضم نحو 500 عمل درامي من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي الفئة الأساسية التي تركز عليها الشركة، اللافت في الأمر أن حوالي نصف هذه الأعمال هي مسلسلات سورية، تتنوع بين الدراما المعاصرة وغيرها.

في الختام، لا يمكن استبعاد احتمال أن تكون الجهة نفسها التي قامت بسرقة الأرشيف خلال عهد النظام السابق قد استغلت الفوضى التي عمّت البلاد وعادت لتنفيذ سرقة جديدة، ومع ذلك، تبقى هناك مجموعة من التساؤلات الغامضة التي ربما يكشفها المستقبل، أبرزها: هل حدثت السرقة التي تحدث عنها معن حيدر مؤخراً؟ أم أنها وقعت في وقت سابق ولم تُكشف إلا الآن؟

اقرأ أيضاً: بوابة دمشق مشروع العمر بنكهة عالمية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى